الطلاق بسبب الإضرار والنشوذ
إن الطلاق بسبب ردة الزوجة من خلال تعريف الردة وحكم الارتداد بالنسبة للرجل والمرأة وعرضنا آراء الفقهاء عن ردة الزوجة، وفي هذا العدد نتناول الطلاق بسبب الإضرار والنشوذ.
أولاً: النشوز في اللغة:
يقال في اللغة نشزت المرأة من زوجها من بابي ضرب وقعد، عصت زوجها وامتنعت عليه، ونشز الرجل من امرأته نشوزاً بالوجهين تركها وجفاها.
ثانياً: النشوز في الكتاب والسنة
قال تعالى: ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً ).
وقد حثت السنة الشريفة المرأة على طاعة الزوج والبعد عن معصيته:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا باتت المرأة هاجرة لفراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع". وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقت من نفقة عن غير أمره، فإنه يؤدي إليه شطره، وغيرها من الأحاديث التي تبين للمرأة فضل الزوج عليها، وإن الإسلام شرع الطاعة بين الزوجين من أجل حياة سعيدة بعيدة عن المشاكل التي قد لا تكون نهايتها إلا الطلاق.
ثانياً: المالكية:
قال المالكية: وإذا نشزت المرأة أي خرجت من طاعة زوجها بمنعه من وطئها والاستمتاع بها أو خروجها بلا إذنه، أو تركت حقوق الله تعالى كغسل الجنابة، والصلاة والصيام بما يلين قلبها للرغبة في ثواب الطاعة والخوف من عقاب المعصية، فإن لم يفد الوعظ، هجرها وذلك بترك الاستمتاع بهما والنوم معها في فراش واحد، والأولى كونه شهراً وله الزيادة عليه، لكن لا يبلغ به أربعة أشهر.
فإن لم ينفع معها الوعظ ضربها ضرباً غير مبرح، والضرب غير المبرح كما عرفه المالكية: هو الذي لا يكسر عظماً ولا يشين جارحة شيناً كالكسر، ومثل غير المبرح اللكزة والصفع، ولا يضربها ضرباً مبرحاً، ولو غلب على ظنه أنها لا تترك النشوز إلا به لأنه تعزير، وإن تحقق أو ظن عدم إفادته أو شك فيها فلا يضر بها لأنها وسيلة إلى إصلاح حالها والوسيلة لا تشرع عند ظن عدم ترتب المقصود عليها، وأما الوعظ والهجر فلا يشترط فيهما ظن الإفادة لعدم تأثيرهما في الذات.
قال ابن شاس: إن نشزت وعظها فإن لم تقبل هجرها، فإن لم تقبل ضربها ضربا غير مخوف، وإن غلب على ظنه أنها لا تتركه إلا بضربها المخوف فلا يجوز، ولا يقبل قول الزوج في دعوى النشوز بالنسبة لسقوط النفقة.
ونرى أنه في حالة تحقق إساءة الزوجة للزوج جاز للحكمين أن يخلعاها منه مقابل مال تدفعه له، ولو زاد على صداقها إن أراد الزوج فراقها أو استوت المصلحة.
وقال أبو حفص: فإن كانت الإساءة منهما معا فرقا بينهما وأخذ كل منهما النصف وكان الثلثان من قبل الزوجة والثلث من قبله أخذ له الثلثان، وفي العكس العكس.
آراء الفقهاء عن ردة الزوجة:
أولا : الحنفية:
عرف الحنفية المرأة الناشز بأنها هي الخارجة عن منزل زوجها المانعة نفسها منه، فيشمل ما إذا امتنعت عن المجيء إلى منزله ابتداء بغير حق، وما إذا خرجت من منزله بعد الانتقال إليه، فإن كان خروجها من منزله وامتناعها عن الذهاب إليه لحق شرعي بأن امتنعت لاستيفاء معجل مهرها أو لأن البيت الذي يريد نقلها إليه مغصوب فلا تسقط نفقتها لأحقيتها في هذا الامتناع.
فإذا نشزت المرأة كان للرجل حق في التأديب، فله أن يؤدبها على الترتيب، فيعظها أولاً على الرفق واللين، بأن يقول لها كوني من الصالحات القانتات الحافظات للغيب، ولا تكوني من كذا وكذا، فلعلها تقبل الموعظة ورجعت إلى الفراش وإلا هجرها.
وقيل يخوفها بالهجر أولاً، والاعتزال عنها وترك الجماع والمضاجعة فإن تركت وإلا هجرها لعلها لا تحتمل الهجر.
ثم اختلف في كيفية الهجر:
أ- قيل يهجرها: بأن لا يجامعها على فراشه.
ب-وقيل يهجرها: بأن لا يكلمها في حال مضاجعته إياها لا أن يترك جماعها ومضاجعتها، لأن ذلك الحق مشترك بينهما فيكون في ذلك عليه من الضرر ما عليها فلا يؤدبها بما يضر بنفسه ويبطل حقه.
ج- وقيل يهجرها: بأن يفارقها في المضجع، ويضاجع أخرى في حقها وقسمها، لأن حقها عليه في القسم في حال الموافقة وحفظ حدود الله لا في حال التضييع وخوف النشوز.
د- وقيل يهجرها: بترك مضاجعتها وجماعها لوقت غلبة شهوتها وحاجتها لا في وقت حاجته إليها، لأن هذا للتأديب والزجر، فينبغي أن يؤدب نفسه بامتناعه عن المضاجعة في حال حاجته إليها، فإذا هجرها فإن تركت النشوز وإلا ضربها عند ذلك ضربا غير مبرح ولا شائن.
والأصل فيه قوله تعالى: ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) فظاهر الآية وإن كان بحرف الواو الموضوعة للجمع المطلق لكن المراد منه الجمع على سبيل الترتيب، والواو تحتمل ذلك.
فإن نفع الضرب وإلا رفع إلى القاضي ليوجه إليه حكمين حكما من أهله وحكماً من أهلها كما قال تعالى: ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما). وسبيل هذا سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حق سائر الناس.
ثم إن الأمر يبدأ بالموعظة على الرفق دون التغليظ في القول، فلإن قبلت وإلا بسط يده فيه، وكذلك إذا ارتكبت محظوراً سوى النشوز ليس فيه حد مقدر فللزوج أن يؤدبها تعزيراً لها، لأن للزوج أن يعزر زوجته كما للمولى أن يعزر مملوكه. وذكر أمر الله بأن يكون أحد الحكمين من أهلها والآخر من أهله لئلا تسبق المظنة إذا كانا أجنبيين بالميل إلى أحدهما، فإن كان أحدهما من قبله والآخر من قبلها زالت المظنة وتكلم كل واحد منهما عمن هو من قبله، وتدل الآية في قوله تعالى: ( فابعثوا حكما من أهله وحكماً من أهلها). على أن الذي من أهله وكيل له والذي من أهلها وكيل لها، وهذا يوضح بطلان قول من يقول إن للحكمين أن يجمعا إن شاءا، ويفرقا إن شاءا بغير أمرهما، قال أصحاب أبي حنيفة: إنه ليس للحكمين أن يفرقا إلا برضا الزوجين لأن الحاكم لا يملك ذلك فكيف يملكه الحكمان، وإنما الحكمان وكيلان لهما.
ثالثا : الشافعية:
وذكر الشافعية أنه في حالة ظهور أمارات النشوز وعلاماته على المرأة، وقد قسم الشافعية أمارات النشوز إلى فعلية وقولية.
أما القولية: أن تكون من عاداتها إذا دعاها لبته، فصارت بعد ذلك إذا دعاها لا تجيب بالتلبية، وإذا خاطبها كانت ترد عليه بلطف وبعدها خشن كلامها.
أما النشوز بالفعل: فهو أن يكون من عادتها إذا دعاها إلى الفراش أجابته ببشاشة وطلاقة وجه، ثم صارت بعد ذلك متجهمة منكرة، أو كان من عاداتها خدمته، ثم أصبحت لا تبالي بخدمته، وقد يجد منها إعراضاً وعبوساً بعد لطف، فإذا ظهر منها وعظها ندبا، لقوله تعالى: ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) [النساء:34]، كأن يقول لها اتقي الله في الحق الواجب لي عليك واحذري العقوبة، ويبين لها أن النشوز يسقط النفقة والقسم، فلعلها تبدي عذرا أو تتوب، ويذكرها بما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح".
فإذا لم ينفع معها وعظها، بعد ذلك يهجرها في المضجع، وهل للهجر تأثير ظاهر في النساء، وهل يجوز هجرها في الكلام؟
قال الشافعية فيه وجهان: الأول: رجح النووي جوازه في ثلاث فقط لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال". فهذا في الهجر بغير سبب شرعي، أما الثاني وهو الهجر لفسق أو بدعة فلا تحريم فيه. وعليه يحمل هجر النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك وصاحبيه، وفي جواز الضرب بالنشوز من غير تكرار.
وأما الضرب فقال الشافعي: لا يضربها ضرباً مبرحاً لا مدمياً ولا مدمنا ويتقي الوجه، فالمبرح الفادح الذي يخشى تلف النفس منه أو تلف عضو أو تشويه منظر، والمدمي الذي يجرح فيخرج الدم، والمدمن أن يوالي الضرب على موضع واحد، لأن القصد من الضرب التأديب، ويتقي الوجه لأنه موضع المحاسن ويتوقى المواضع المخوفة.
وقال: ولا يبلغ به حداً، وهذا ما كان عليه أصحاب الشافعية.
وقيل ينبغي أن يكون الضرب بالمنديل واليد، ولا يضرب بالسوط والعصا، وبالجملة فالتخفيف بأبلغ شيء أولى في هذا الباب.
تحيتي لكم